المرأة التركمانية في المجتمع ودورها في
الحياة السّياسية
د.
نظام الدين إبراهيم اوغلو
باحث أكاديمي تركماني ـ تركيا
nizameddin955@hotmail.com
مقدمة
كما نعلم أنّ للمرأة التركمانية مكانة مرموقة في
المجتمع التركماني والمجتمع العراقي ولها ماضيها العريق في
إدارة أمور الدّول سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ومثل
ذلك فهي مثقفة ومتعلمة لكل الأمور وصاحبة الإردة القوية.
لقد اشتركت في العصور الماضية في إدارة وسياسة لكثير من
الدول والحضارات السابقة، وفي زمن كانت حافلة بالصّراعات
السّياسية والحروب الدامية، ولاتزال هي تعرف كيف أنها
تتصرف أمام الأحداث السياسية وكيف يمكن لها أن تخرج من هذه
الأزمات. ولكن في وقتنا الحاضر، السياسة تختلف عما في
السابق، فهي تواجه بأزمة سياسية كبيرة لم يشهدها تاريخ
العراق في العصور السابقة من احتلال الطّغاة
والدّكتاتوريين والعملاء والمشعوذين الجهلة وأخيرًا من
احتلال الاستعمار الأمريكي والأوروبي لها، فسلبوا إرادة
المرأة التركمانية وقلصوا حرّيتها وحقوقها ومهامها لأسباب
سياسية بحتة، فسيطروا عليهن بقوة السّلاح في عدم تدخلهن في
سياسة الدّولة، لأنّ هؤلاء يعرفون أنّ المرأة المثقفة
التركمانية لو دخلت في أمور السّياسة لوقفت ضدّ الظّلم
والغدر والنّهب والقتل وعرقلت سبل استمرار هذا الظّلم من
دون خوف أو تردد.
والمرأة التركمانية في كافة العصور أبدت جدارتها في الطب
والتمريض والصيدلة والهندسة والإدارة والاقتصاد والتعليم
وفي العلوم الفنية والتكنولوجيا، وهي بالاضافة إلى ذلك فهي
كما ذكرنا قادرة على إدارة مؤسسات الدولة كما كانت في
السابق. ولكنهن ينتظرن فتح باب الحريات لهن من قبل كافة
الحكومات التي يدعون بالديمقراطية والحرية والمساواة، فلو
وعت الحكومات والسياسيين وانصفوا في ذلك، وأخذت كافة
حقوقها كما هي موجودة في لائحة الأمم المتحدة، لأستفادت
الحكومة العراقية والشعب العراقي بالإضافة إلى الشعب
التركماني من علو مهارتها وعلومها وذكائها في تسهيل مشاكل
العراق وإدارة المؤسسات العراقية بأفضل وجه من دون إهانة
وتكاسل ونهب أموال الشعب العراقي البائس.
المرأة التركمانية في المجتمع
التركماني
تتكون المجتمع التركماني من فئات وشرائح متباينة
اقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا وهذا التباين لا يحول
دون تعريف سمات رئيسية مشتركة من شأنها التعبير عن وحدةِ
حال اجتماعية يمكننا تحديد ملامحها لاحقًا. حيث يعتبر
المجتمع التركماني في العراق من المجتمعات التي تسودها قيم
التمدن الحضاري، كما أنها كغيرها تشهد من جانب آخر حالة من
الصراع بين القيم والتقاليد والطرق القديمة وبين ثورة
الحداثة الفكرية والتحديث التي طغت على مختلف مناحي
الحياة، وهذا الصراع وإن يزال قائمًا إلا أننا لا نستطيع
القطع بأنه يكاد يحسم لصالح التجديد خاصة وأن الريف
التركماني الممتد على مساحات جغرافية واسعة لم يغلق
الأبواب تمامًا أمام قوافل التمدن المقبلة من أصواب مختلفة
ولكنه لم يتمكن كذلك من التصدي بشكل كامل لحملات الترييف
القسرية التي يواجهها، وأقصد ترييفه فكريًّا من خلال
الإبقاء على نمط حياته الريفية. ومن أهم العوامل التي تؤثر
في التكوين الفكري عند الفرد في المجتمع التركماني هو
الطبيعة الزراعية للمجتمع التي تربط مصير الفرد بالأرض
والسماء! كما نعلم أنّ النمط المدني الصناعي والتوظيفي
والإداري قد طغت على المرأة التركمانية بعد ركود الحياة
الريفية عندها وقساوة مقاومة الحملات السياسية عليها في
الريف، فأبهرت وأبدعت في المدينة أسوة لغيرها النساء في
كافة مجالات العلوم.
ولكن أين المرأة التركمانية من كل هذا؟
لابد من العودة إلى ملامح المجتمع التركماني وبالتحديد إلى
ما يتعلق بمحور بحثنا وهو (المرأة التركمانية) حيث لازالت
مؤسسة العائلة أحد أهم قيم المجتمع التركماني وفيها يتم
تقاسم الأدوار بين الرجل والمرأة وفقًا للمحيط المحدق
بالعائلة إذا اعتبرنا أن دور العشيرة وقيمها قد إنحلت
تقريبًا أخذًا بأسباب التمدن وإن كان بشكل متعثر. ومن
المعروف أن دين الغالبية التركمانية هو الإسلام الذي ساهمت
مؤسساته الدينية بدورها في تعزيز مكانة الرجل والمرأة في
حدود الحقوق والواجبات الأسرية، كما تناول حال المرأة
التركمانية في ظل الشريعة الإسلامية لن يختلف كثيرًا عن
حال أي امرأة أخرى، إذ تثار قضايا الالتزام والتحرر في
المجتمع التركماني كغيره من المجتمعات لذلك لم أرَ ضرورة
من التّفرط في تناول الدين الإسلامي وتأثيره في حياة
المرأة التركمانية كون هذا التأثير له تعبيراته العامة
المعروفة لدى مختلف المجتمعات المسلمة.
ولابد من الإشارة إلى أن المجتمع التركماني قد اكتسب
الكثير من تقاليده من التجمعات البشرية الأخرى التي تعايش
معها وبجوارها واحتفظ في سلوكه بقسم آخر مما أملته عليه
ذاكرته الاجتماعية الطويلة، إذ يؤكد التاريخ واقع بأنّ
التركمان هم الأكثر تسامحًا تجاه المرأة بين جميع الشعوب
الإسلامية الأخرى المجاورة!. حيث كانت المرأة التركمانية
ولاتزال تعبر عن رأيها وتشارك الرجل في اتخاذ بعض القرارات
ولم تمنع المرأة التركمانية من مخالطة الرجال واستقبال
الضيوف بنفسها. وبالفعل فإن مهمة الارتقاء بالمرأة وتفعيل
دورها لدى التركماني يعتبر ممكنًا أكثر من سواها لما تتمتع
به المرأة من ميزات مسبقًا. ولكن شهد المجتمع التركماني
بالمقابل عددًا من الظواهر السلبية التي لاتزال فاعلة في
الأرياف وبنسب لابأس بهن كذلك في المدن وإن كانت قد تراجعت
نسبيًّا في كليهما نتيجة للتحسن الذي يشهده المجتمع
التركماني عامة، فلا تزال المرأة التركمانية في مختلف
مراحل حياتها تشعر بالفارق بينها وبين الرجل سواء الأخ أم
الزوج ولايزال المجتمع التركماني يحتفظ بالكثير من
المصطلحات الشعبية الموروثة التي ترسخ ثقافة التفاضل
وإيثار الرجل على المرأة، كذلك لم ينقطع وقوع جرائم الشرف
واختزال مفهوم الشرف في عفة جسد المرأة. وتضاف إلى
المعاناة الاجتماعية للمرأة التركمانية معاناة أخرى وهي
الاضطهاد السياسي الذي شمل التركمان في العراق وطمس هويتهم
القومية في العراق عبر تجاهل وجودهم في أهم وابسط الوثائق
الرسمية للدولة.
دور المرأة التركمانية في السياسة
المرأة التركمانية كانت منذ عصور قديمة على إتصال دائم مع
رجال الدّولة والحكام، ولهذا كن
يتدخلن
في السّياسة وإدارة أمور الدّولة بكافة مستوياتها. ونستطيع
أن نجد ذلك بعد إسلام التركمان في العصور السابقة، وخاصة
نجدهن في عهد الخلافة العباسية والسلجوقية والعثمانية،
بشكل فعال في سياسة الدولة، فخرجت منهن أيضًا شخصيات كبيرة
وأرباب العلم والأدب وكتب التاريخ مليئة بالاسماء. ولكن
بعد سقوط الدّولة العثمانية بدأت الدّول المستعمرة والحكام
الموالين لها بالسّيطرة على إرادة الشّعب وبدأت الحكومات
بتهميش وغصب حقوق المرأة وخاصة في عهد الإنتداب البريطاني
على العراق ثم الملكي والجمهوري. والمرأة التركمانية تعرضت
إلى كثير من المشاكل والأحداث السّياسية من عدم تعينهن أو
طردهن من الوظائف وحتى التّعذيب الجسدي والحقارة والسّب
والسّجن والقتل وإنتهاك أعراضهن.
وعن دور المرأة التركمانية في سياسية العصر، كما نعلم أن
النشاط السياسي التنظيمي التركماني لم يقتصر على الرجال
وحسب بل اشتركت وانضمت المرأة إلى صفوف الحركات السياسية
التركمانية منذ بدايات تأسيس هذه الحركات وبالرغم من أن
النضال السياسي النسائي يعتبر مرحلة متقدمة إجتماعيًّا إلا
أن شكل النضال لدى المرأة التركمانية بقي مرهونًا
بالتقاليد الاجتماعية السائدة إلى حد كبير، حيث لم يكن
انخراط النساء التركمانيات في الأطر التنظيمية إنخراطًا
كاملاً وإنما لجأت الأحزاب التركمانية في الأونة الأخيرة
إلى بناء لجان نسائية حزبية تستجمع النساء الحزبيات
اللواتي يقمن بتطبيق النظام الداخلي للحزب ويلتزمن
ببرنامجه السياسي، وإن كانت هذه اللّجان النسائية توحي
بدايةً بأن سبب وجودها هو تحسين شؤون المرأة التركمانية
والتفرغ لخدمتها إلا أن السبب الرئيسي حسب رأي كان
اجتماعيًّا، حيث لا تمتلك معظم النساء الحرية في
العصر الحديث من
مخالطة الرجال ومشاركتهم بشكل مباشر في أمور السياسة، وكان
نشاط هؤلاء النسوة ولازال في حدود الفعاليات الحزبية
والمناسبات القومية، وبعض المحاولات من أجل توعية ونشر
الوعي الثقافي حول قضية المرأة. ونرى اليوم المرأة
التركمانية قد تقلدت بعض المسؤوليات القيادية في أحزابها
وتشارك بشكل أكبر في مختلف الفعاليات، وحتى أنهن تقلدن
مناصب نائبات المجلس ومستشارات وكبار مناصب الدولة. وقد
تحققت هذا بعد سقوط الحكومة الطاغية البائدة في العراق
فبدأت المرأة التّركمانية تتنفس قليلاً وبدأت تأخذ مكانتها
وتبدي رأيها في المحافل السّياسية ـ وإن لم تكن زخمها كما
في العصور السابقة إلى نهاية الدولة العثمانية ـ ونحن
نتمنى من الله أن تكون هذه الحرية الجزئية طريقًا نحو
الديمقراطية والحرية. فبدأ الشّعب التركماني من خلالها
بفتح المنظمات والأحزاب السيّاسية والجمعيات والأوقاف
الإجتماعية والثّقافية وبدأت تشترك مع التجمعات العراقية
لكي تخدم الشّعب العراقي والتركماني، ومع فتح هذه المنظمات
والجمعيات استرجعت خبرتها فبدأت تطلب المزيد من الحقوق
والواجبات وإزالة نواقصها من كافة النواحي لذا نرى بعض
السيدات قمن يشتكين من الدور الوظيفي الحزبي القليل ومن
نقص نشاط الجمعيات أو لجان المرأة التي تمنعها من التواصل
مع هذه الجمعيات. والمرأة التركمانية لا ولن ييأسن من
العمل الدّؤوب للحصول على ما عليهن من حقوق، وهن يستحقن كل
ذلك لأنّهن يعرفن ماذا يفعلن وكيف يدرن الأمور لأنّهن
نشيطات وذكيات ومخلصات في أمورهن، لذا على السّياسيين أن
لا يبخلوا في حقوهن وأن يعرفوا أنّ المرأة التركمانية
يمثلن عنصرًا هامًّا في إزدهار دولة العراق الجبيبة.
ونحن نوضح ونقول ومع الأسف الشّديد أن الحكومة الحالية ما
بعد نظام البعث، لم تعمل من أجل تطوير سياسة المرأة
التركمانية، وبسبب فساد الوضع في العراق نقصت دورهن في
الأحزاب بشكل واضح فمثلاً لا نرى الإطار التنظيمي النسائي
المستقل عند الأحزاب السياسية، والمرأة التركمانية مازالت
عاجزة عن الاعتماد على نفسها في طلب حقوقها لأسباب كثيرة
لحيائها أو مواجهتها لقمع الطّغاة في الحكومة الحالية، أو
عدم مراعاتهن من قبل رؤساء الأحزاب التركمانية ونحو ذلك.
لذا نجدها أحينًا تلجأ إلى من يساعدها في الدفاع عن حقوقها
من القوى الحاكمة. وهي تشارك في التنظيمات النسائية
للأحزاب التركمانية، ولكنها لم تر نفسها أنها مستقلة وتمثل
المرأة التركمانية، فعلى رؤساء الأحزاب أن لا يسلبوا
حرياتهن، لكي تقف المرأة التركمانية خلف رؤاها وأن تعمل من
أجل قضية المرأة بحد ذاتها لأن قضية المرأة قضية عامة
وعالمية وليست متعلقة بحزبية أو غير ذلك. وبمعنى آخر ينبغي
الفصل بين العمل النسائي والعمل الحزبي. وقضية المرأة
لازالت قضية ثانوية بالنسبة للأحزاب السياسية أما بالنسبة
لي وبالنّسبة لكل منصف عاقل هي قضية رئيسية ومهمة، ولها
دورها الكبير في السلام العالمي، بفطرتها وعاطفتها
الكبيرة، تقف ضد الحروب وقتل الأطفال أكثر من الرجل، فإذا
أهملناها أهملنا حياتنا وحياة شعبنا ووطننا.
والله من وراء القصد وهو ولي التّوفيق. 2.3.2007
نظام الدين إبراهيم أوغلو