المختصر في التصوف الإسلامي
د.
نظام الدين إبراهيم اوغلو
باحث أكاديمي تركماني ـ تركيا
e.mail.
nizameddin955@hotmail.com
المدخل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدما محمد
وعلى أله وصحبه أجمعين.
كما
نعلم أنّ الله تعالى قد خلق كلّ شىء في الدّنيا من أجل
البشرية، ومن هذه الأشياء التي تخصّنا العلوم الفنية
والإنسانية وقد أشار القرآن الكريم إلى الأُسس
والقواعد العامة لهذه العلوم لعدم كون القرآن كتابًا
علميًّا بحتًا، وعلى الإنسان أن يكتشف بعد جهد
تفاصيلها ثم يأخذ منها العبر والدّروس. لذا فإنّ
القرآن لم يعرّف العلوم ولم يعط لها مسميات، وكذلك لم
يحدد لها أصولها وقواعدها وشروطها، بل ترك كل هذه
الأمور للإنسان وللعقل البشري وأَصل العقل البشري
الفعّال هو الرّوح، فقال تعالى (فأرسلنا إليها روحنا
فتمثّل لها بشرًا سويًّا). (ثم سوّاه ونفخ فيه من
روحه)، كل ذلك من أجل أن يعقل ويتدبر ويجتهد ويسعى من
أجل كشف حقائق الخالق وحقائق العلوم وأن يلائم فلسفة
هذه الحقائق مع الزمن الذي يعيش فيها، من دون الخروج
عن قوانين الله تعالى.
وهكذا العقل الإنساني منذ أبونا آدم بدأ بالكشف عن
حقائق السّموات والأرض، بعد أن أَوحى إليهم علمهم الله
تعالى أسماء العلوم كلّها، كما في قوله تعالى (وعلّم
آدم الأسماء كلها)،
أي علمه أسماء الأشياء في السموات والأرض، ولم يعلمه
للملائكة لأنه لا علاقة لهم بهذه الأشياء، وعلمه لآدم
عن طريق الوحي إلى روح الإنسان، وعن طريق الوحي إلى
الأنبياء والرَسل لكي يعلمهم كيفية الوصول إلى الطريق
السّوي، وبعد الأنبياء ألهم الله تعالى الأولياء
والعلماء والعقلاء الصالحين أيضًا، في ارشاد وتعليم
الناس على الطريق المستقيم؛ فتعلّموا اللغة ومدلولاتها
والعلوم وتفرعاتها وطوروها وسّموا كل علم بمسّميات.
فوصلت إلينا بعدها بشكلها الأخير التي بين أيدينا.
وسوف يتواصل الإنسان بكشف دقائق العلوم إلى يوم
القيامة. ويمكن أن نقول أنّ العلوم موجودة منذ الأزل
في اللوحظ المحفوظ وحتى أنها مخزونة في فطرة وروح
البشرية كالحفظ في الذاكرة الرئيسية للحاسوب، وحتى
يمكن للإنسان أن يصل إلى حقائق الله بفطرته السليمة،
من دون التعليم والإرشاد، ولكن معرفته للحقائق تكون
ناقصة.
وهنا يمكن أن نقول أنّ العلوم البشرية قد تطورت منذ
القدم إلى أن وصلت إلى عصر المُسلمين والمسلمون بفضل
القرآن الكريم وبفضل رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام
والعلماء الأفاضل قد وسعّوا وطوّروا علوم الحضارات
القديمة إلى قمة التطور، ففي أواخر الدولة الأموية بدأ
العلماء الأجلاّء بوضع قواعد واصول لهذه العلوم
الإسلامية، ومن ضمن هذه العلوم هو التصوف الإسلامي
فقيل للمنسبين إليها بالصوفيين فلهم شيخ الطريقة
وخليفة الطريقة ومريدين. والتي كانت تسمى في العصور
السابقة بالزُّهاد والمتقين والأولياء الصالحين.
والتّصوف شبيه بعلم الأخلاق وعلم السّلوك أو علم يخاطب
الرّوح الإنساني والتي ينفرد به عن باقي المخلوقات.
وسوف تستمر هذه الاكتشافات والمستجدات والمستحدثات
لكافة العلوم إلى يوم القيامة، لأنها سنة الله في
الكون وحقيقة فطرية يسعى إليها البشرية لأجل الوصول
حقائق السموات والأرض وحقائق خالق هذه الكائنات.
وموضوع التحديث والتجديد أو الكشف الجديد لموضوع ما،
هي من سنن الكون ومن شعائر الدّين الإسلامي. والمسلمون
ليسوا رهبانيين لكي يمنعوا التجديد، ولاهم رجعيون لا
يحبون التقدم العلمي، كما يدّعي الطّاغون والمنافقون.
ولابد أن نتطرق هنا، أنه قد يخرج من المسلمين جماعة
متطرفة يكفّرون كلّ مسلمٍ، يرفضون السعي من أجل
التطوير العلمي والتكنولوجي والصناعي بحجة أنها لم تكن
قائمة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أو يدّعون
أنها بدعة وكل بدعة ضلالة، من دون أن يعقلوا ويفكّروا
ويتدبّروا قليلاً،في
آيات الله وأحكامه.
وأنّ يعلموا أن البدعة تكون في الأُمور العقائدية فقط
لا غير. وهكذا عرقلوا تطوير الحضارات الإسلامية، ولكن
نفس هؤلاء استطاعوا من إدخال البدع الظَّالة التي
حرمها الرسول (ص) على المسلمين، وهي بدعة التعصب
والطائفية والمذهبية. وأصبحت لهم دورًا كبيرًا في
إسقاط الخلافات الإسلامية وهزيمتهم أمام الأعداء.
علمًا أنّ الإسلام شجّعَ العلماء والمكتشفين
والمخترعين ماداموا لم يُخالفوا في أعمالهم العقيدة
الإسلامية ولم يعصوا أوامر الله تعالى.
وهذا نبينا محمد (ص) أسوة حسنة لنا، فقد نبذ العادات
الجاهلية وجدّد وطوّر الأديان السماوية السابقة بدين
جديدٍ وعبادة جديدة وبمفهوم أخلاقي ومعيشي جديد،
وعلمنا الطّب والفَلَكَ والتّجارة المُحللة وقوانين
الحرب وإدارة الدولة الجديدة، وعلّمنا آداب النظافة
وآداب والملبس والأكل فحلل البعض وحرّم الأخر. وبعد
ذلك أوصانا النبي (ص) بأنه سيكون التجديد من بعده بيد
العلماء العاملين والأولياء الصالحين، فقال (ص) فيهم
(إن الله تعالى يبعث لهذه
الأمة على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدد لها دينها) أبو
داود والحاكم والبيهقي. وقال أيضًا (العلماء
ورثة الأنبياء)، (إنّ
العالِمَ يستغفر له من في السموات والأرض حتى النملة)،
(بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى
للغرباء)، (أتى جماعة قالوا يارسول الله اِستخلف
علينا، قال لا، إنْ يعلم الله فيكم خيرًا يولّ عليكم
خيرًا).
ونرى قول الإمام علي (رض) في ذلك (من ساوى
يوماه
فهو
مغبون(.
فالعلماء الصالحون هم كانوا قدوة صالحة في تجديد
وتطوير العلوم والعادات والتقاليد الإسلامية وحتى أنهم
كانوا على علمٍ في كيفية إرشاد الحكام والسياسيين من
أجل إدارة شؤون الدولة على أُسس اسلامية وبالعدالة
والمساواة.
والدراسات في التصوف كباقي العلوم لم يُذكر اِسمه في
القرآن الكريم، وقد ظهر في عصر التابعين في العِقد
الأول من القرن السادس الهجري، وبعد أن تشكل أسس
التصوف أقرّ أكثر علماء المسلمين على الاهتمام بمواضيع
التصوف الإسلامي، وادّعى بعض العلماء على أنه علم
كباقي العلوم
وأنه
مزيج بين علم التربية وعلم الأخلاق في أصولها. ولكن
البعض الآخر لم يقرّوا على أنها علم كباقي العلوم، بل
ذكروها من ضمن علم التربية والسلوك، ولكن في كلا
الرأيين أنّ وجود علم الآخلاق أو التصوف حقيقة موجودة
لايمكن إنكارها. وابتداع قسم من علمائهم وشيوخهم
لايعني كلها ابتداع ويجب إنكارها، والابتداع انتشرت في
الصوفية بعد العالم الديني محي الدين بن العربي،
وايمانه بفكرة وحدة الوجود كما في الديانة الهندية،
بالرغم من محاربة هذه الفكرة من قبل علماء أجلاّء مثل
الإمام الرّباني وابن تيمية، ولكن انتشرت وبقيت إلى
يومنا هذا، وقد شجعها الطغاة من الحكام، لأن وحدة
الوجود، لا يقبل الجهاد.
لذا اتخذَ المتصوفون والمرشدون الطّيبون أخلاق النبي
محمد (ص) أسوة حسنة لهم، وانعكس هذا حتى في سلوك
وتصرفات مريديهم، وحتى أنه بدأ يظهر عندهم علماء
يفوقون في التّصوف كما في بقية العلوم الدنيوية ولمعت
نجوم علماءهم، وألفوا وأصدروا كتبًا ودواوين كثيرة
وقيمة في التصوف.
نظرًا للأخلاق الكريمة والدلائل العلمية الصّائبة في
أقوال علماءهم وشيوخهم، شجع العديد من علماء بقية
العلوم للانتساب إلى أحد الطرق الصوفية من أجل تزكية
نفوسهم وتقربهم إلى الله تعالى، وهؤلاء كثيرة منهم:
أبو حنيفة النعمان والإمام مالك والإمام الشّافعي
والعالم التركي ملا فناري والمفسر التركي أبو سعود
أفندي واللغوي ملا جامي اللغوي التركي والفقيه الإمام
اللكنوي والإمام الغزالي وابن سينا والمفسر التركي
الزمخشري والإمام السيوطي ونحوهم بمئات من العلماء.
والسيوطي يقول في كتابه (تأييد الحقيقة العلية):
"إن التصوف في نفسه علم شريف، وإن مداره على اتباع
السنة وترك البدع، والتبري من النفس وعوائدها وحظوظها
وأغراضها ومراداتها واختياراتها والتسليم لله والرضى
به وبقضائه، وطلب محبته واحتقار ما سواه.. وعلمتُ
أيضًا أنه قد كثر فيه الدّخيل من قوم تشبهوا بأهله
وليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إلى
إساءة الظن بالجميع، فوجه أهل العلم للتمييز بين
الصنفين ليعلم أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملت
الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أر
صوفيًّا محققًا يقول بشيء منها، وإنما يقول بها أهل
البدع والغلاة الذين ادعوا أنهم صوفية وليسوا منهم".
وأنا من المؤيدين لهذا الرأي.
كان التصوف نموذجًا مثاليًّا لحركة اجتماعية موحدة
للأمة في أوقات الأزمات الكبرى، وكان لتكاياهم وزوايا
علومهم دور مهم في التعليم والتربية وتزكية النفوس.
بالإضافة إلى هدفهم الدعوي ونشر الدين الإسلامي في
كافة أنحاء العالم.
أما عن أسباب اضمحلال أهمية ودور التصوف في العصر
الحاضر؛ ليست نابعة عن التصوف والصوفية، بل كانت نابعة
عن ركود المسلمين في كافة مجالات الحياة وفي كافة
العلوم والصناعة والتكنولوجية، لأن أكثر المسلمين
ابتعدوا عن من علمائهم وزعمائهم عن الدّين الإسلامي
وعن الأخلاق الكريمة الفاضلة. أما عن سبب ضعف الطرق
الصّوفية يرجع إلى أسباب عديدة ومن أهمها جعل تولي
الشيخ إلى رئاسة الطريقة الصوفية عن طريق نظام
الوراثة، وقد اعتاد المريدون والناس بجلب أحد أولاد
شيوخ الطريقة بعد وفاة الشيخ إلى الرئاسة وإن كان غير
مؤهل للعلم أو أنه ذو أخلاق غير مرضية. ففي عام 1910م
اجتمع تحت رعاية شيخ الإسلام في الخلافة العثمانية
كافة شيوخ الطرق والعلماء لدراسة أسباب عدم ايفاء
الشيوخ أعمالهم والضعف الموجود في أداء دورهم، مع
دراسة الطرق الكفيلة لإزالة هذه العوارض، فوصلوا إلى
أنّ السبب الأساسي هو عدم رعاية الأولاد أو الأحفاد
لشروط الإمام أو الشيخ، وجعلوا التكايا مكان كسب معيشة
أفراد الشيخ، فخرج أكثرهم من أهدافهم الأساسية. وقد
سبقهم الحكام في جعل نظام الوراثة في الحكم. وبسبب
مجيء علماء وشيوخ ضعفاء أصبحوا ألة للاستعمار والطغاة.
ونحن ننزه الطّيبين من عباد الله.
الفصل الأول
التصوف الإسلامي تعريفه ومراحله
تعريف التّصوف الإسلامي (أو الزّهد الإسلامي):
يُقال أن مُصطلح التّصوف مشتقٌ من الصّوف، فقد كان
لِبسهُ معروفًا قبل الإسلام بين من ينقطع عن الدّنيا
للعبادة من الرّهبان النّصارى والأحبار اليهود. أو
أنّه مشتقٌ من الكلمة اليونانية (صوفيا) وتعني
الحِكمة.
ويمكن تعريفهُ:
كما عرفه الإمام علي (رض) في معنى التقوى بأنه
الالتزام بالإسلام والعمل بالتّنزيل والخوف من الجليل
والاستعداد ليوم الرّحيل.
ويمكن تعريفه أيضًا:
أنه تطبيق للقرآن وسنة رسول الله (ص)، وأنه ذكرُ الله
كثيرًا وفي كل مكان وزمان وعدم الغفلة عنه مطلقًا،
وأنه أيضًا خلوةٌ وتقشفٌ وزهد وابتعاد
عن ملذات الدنيا وترك شهوات الحياة ومتاعها الفانية.
وقيل أنه علم يشبه بعلم الأخلاق
(Moral
Philosophy):
أي العلم الذي يبحث في الجانب الأخلاقي والعاطفي من
الثّقافة الإسلامية من تزكية النفوس وتصفية الأخلاق
وتعمير الظّاهر والباطن.
قال الدكتور حسن
إبراهيم حسن:
ومن المسائل التي شغلت أفكار المسلمين في ذلك العصر
(التّصوف) وذلك أن
كثيرًا من المسلمين الذين اشتهروا بالورع والتقوى لم
يجدوا في علم الكلام ما يقنع
نفوسهم المولعة بحب الله سبحانه وتعالى فرأوا أن
يتقربوا اليه عن طريق الزهد
والتقشف وفناء الذات في حبه تعالى ومن ثم سموا
بالمتصوفين.
ويعرف ابن خلدون التصوف بقوله:
العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض
عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور
من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة
للعبادة. ويضيف ويقول أن المتصوفة المتأخرين قد تأثروا
بالشيعة الغلاة والفكر الباطني المنحرف، ويقول ابن
خلدون في هذا الصدد:" إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة
المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس توغلوا في ذلك
فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة وملأوا الصحف منه
مثل:
الهروي في كتابه "المقامات" وله غيره وتبعهم ابن
العربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض
والنجم الإسرائيلي في قصائدهم وكان سلفهم مخالطين
للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة
الدائنين أيضًا بالحلول وإلهية الأئمة مذهبا لم يعرف
لأولهم فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر واختلط
كلامهم وتشابهت عقائدهم.
ويعرفه ابن تيمية فيقول:
"الزهد ترك الرغبة فيما لا
ينفع في الدار الآخرة".
ويقول ابن القيم عنه:
"الزهد سفر القلب من وطن
الدنيا إلى منازل الآخرة".
وقد قسم العلامة ابن القيم الزهد إلى أربعة أقسام في
مدارج السالكين:
1ـ زهد في الحرام: وهو
فرض عين على كل مسلم ، أن يسعى لتجنب ارتكاب الحرام
حيث ما كان وهذا أرقى أنواع الزهد.
2ـ زهد في الشبهات: ويكون
حكمه بحسب مواطن الشبهة، فإن قويت الشبهة التحق
بالواجب، وإن ضعفت التحق بالمستحب.
3ـ زهد في الفضول: وهو
الزهد فيما لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء
وغيره.
4ـ زهد فيما أيدي الناس
زهد في النفس بحيث تهون عليه تفسه في سبيل الله.
ويقول الإمام الغزالي في كتاب المنقذ:
الصوفيون يدّعون أنهم خواص الحضرة وأهل المشاهدة
والمكاشفة وقد ثبت عندهم الصدق في كل أعمالهم
النّظريّة والعلمية.
المراحل التي قطعها التصوف:
يمكن تقسيم مراحل التصوف إلى ثلاثة أقسام:
1ـ التصوف القديم:
كان موجودًا قبل الرسالة المحمدية، والتصوف موجود منذ
نزول آدم (ع) على الأرض والأنبياء كلهم كانوا يزهدون
ويتقشفون لأجل طاعة أوامر الله. ومن الذين يقولون أنه
كانت فكرة فلسفية هندية قديمة وفكرة الأديان الأخرى
السابقة بعد تحريفها وادخال البدع عليها. وبعد إسلامهم
أدخلوها معهم للإسلام، والإسلام براء من هذه البدع.
وكان هؤلاء يؤمنون بوحدة الوجود والحلول والفناء.
وتلعب هوى النفس عند علماءهم دورًا كبيرًا في إرشادهم
الديني، لأنّ دينهم المحرّف يشجعهم على ذلك، فأدخلوا
إلى التصوف كلّ أنواع البدع والظلالة والشرك.
2ـ التصوف الإسلامي:
كما ذكرنا أنه تصوف آدم وتصوف كافة الأنبياء، ولكن
يُقال أنه نشأ أسس التصوف في القرن الثاني للهجري في
زمن الشيخ حسن البصري. وقيل أنه قد تطوّر فلسفته
ومناهجه ما بعد القرن السادس الهجري وقيل أيضًا جاءنا
في القرن السابع الهجري. وهكذا يمكن القول أن فكرة
التصوف الإسلامي قد تبلور وتأسس في العصر العباسي،
ومعها نشأة فكرة المذاهب والعقائد الإسلامية؛ وفي فترة
زمنية قليلة حققت الفكرة التصوفية نجاحًا باهرًا من
أجل تطبيق تعاليم الإسلام من الزهد وتزكية النفس
والإتصاف بالأخلاق الحميدة وهم بلا شك مقتفين لأثار
رسول الله (ص). وقد ظهر فيهم من العلماء والمرشدين
والشيوخ الأجلاء، وحصلوا على إعجاب وتقدير أكثر الشعوب
الإسلامية، واستطاعوا أن يربوا ويوصلوا من بعدهم علماء
وشخصيات إسلامية عظيمة وقد ذكرت قسمًا من أسماء هذه
الشخصيات في نهاية بحثي، وكتب التاريخ والسير مليئة
أيضًا بأسماء هذه الشخصيات الجليلة. وكانوا مثالاً
للأخلاق الحسنة فحققوا أهدافًا إسلامية رائعة لا ينكره
التاريخ. وهم كانوا مثال الفئة المؤمنة وهم العامل
الرئيسي في التزام أكثر المسلمين بأخلاق عالية وبهم
علت حضارة الإسلام لقرون عديدة وبجهودهم وبأخلاقهم
الكريمة أسلم مسلموا بلاد الصين وشبه القارة الهندية
وروسيا ودول أفريقية وأسيوية كثيرة عندما ذهبوا إليهم
لأجل التجارة. ولكن بعد سقوط الخلافة الإسلامية ضعفت
نشاطاتها.
ولكننا نرى بعد القرن العشرين وبزيادة الوعي الإسلامي
واهتمام كافة المؤسسات والعلوم الدينية بداؤا بإحياء
مدارس التّصوف وإن كانت لاتحل محل التصوف القديم،
وبدؤا بإصلاح وتطوير الطُرق الصوفية للجواب على
المتطلبات الجديدة. فنجد افتتاح جامعات أو أقسام
للتصوف في داخل الكليات الإسلامية والدينية وفي أكثر
الدول الإسلامية، وبفضل هذه الكليات تخرج الكثير من
العلماء وأساتذة التصوف، وكتبوا أبحاثًا وألفوا كتبًا
كثيرة وكتبوا دواوين نظموا فيها أشعارًا للطريقة
وأحوال وسلوك الشّيخ والمريدين وتاريخهم.
ويمكن أن الرّد على الذين يدّعون بأنّ التصوف الإسلامي
كلها بدع لا يرضاه ديننا الحنيف، أو أنه ليس من بين
العلوم الإسلامية لأنه لم يكن في عهد النبي محمد (ص).
ونرد لهم ونقول أنّ هذا الإدّعاء إدّعاء باطل وغير
علمي، لأننا نستطيع أن نعطي بالعديد من الأمثلة لبقية
العلوم فمثلا علم النفس والاجتماع والتربية والفلسفة
والمنطق ونحوها من العلوم بدع أيضًا لأنها لم تكن في
عهد الرسول. وحتى أننا نجد فرق ضالة موجودة الى الآن
فهل يمكن انكاره، وعدم وجوده، وانكار الصوفية في
الاسلام من قبل بعض المتطرفين إما أنهم جهلاء أو أنهم
حاقدين عليهم. والمسميات في العلوم ليس شيء مهم، بل
المهم أن نعرف محتواها، وبعدها أو قربها عن الدين
الاسلامي.
ونحن نعلم جيدًا أنّ البدَع والضَّلالة قد دخلت إلى
كافة العلوم منذ ضعف الخلافة الإسلامية وإلى مابعد
سقوطها، وبأيادي عملاء الاستعمار الإنكليزي والأوروبي
وأخيرًا الأمريكي والإسرائيلي. فكما دخلت البدع
والخرافات إلى التصوف فقد دخلت أيضًا إلى التفاسير
والفقه والحديث ونحو ذلك.
3ـ التصوف الإسلامي الحديث:
يمكن أن نقول أن المفهوم الجديد عند المتصوفة الحديثة
والتي دخلت فيها البدع بشكل واضح منذ بداية سقوط
الخلافة العثمانية، بسبب ضعف الدولة وعدم تمكنهم من
الوصول إليهم وتوعيتهم للحذر من المؤامرات الاستعمارية
أو عدم توليهم شيوخ أهلين بسبب النظام الظالم في
الحكم.
وهكذا دخلت بعض السلبيات أو البدع الى الطرق الصوفية،
إمّا جَهلاً بسبب عدم تولي شيوخ أجلاء محترمين على
الطرق الصوفية، أو عَمدًا وذلك بتولي الشيوخ من قبل
العملاء، بسبب ضعف الدولة الإسلامية وفقد سيطرتها على
أمور الدولة؛ مما أدى إلى ابتعاد الناس عنهم وعدم
الثقة لأكثرهم. ولكننا نستثني الصّالحين منهم، وهم
موجودون في كل زمان ومكان، ولايزال شيوخ عظام يستمرون
في تنشأة أجيال متمسكين بالإسلام الجيد. ويقول المثل (إذا
خُليت قُلبت) ولو خُليت الدنيا بالعباد الطيبين فلا
تكون للحياة معنى.
الفصل الثاني
التصوف الاسلامي وجوده وأنواعه
الزهد والتصوف في الآيات والأحاديث النبوية:
كما نعلم أنّ الزّهد والتّصوف موجود منذ آدم (ع)،
والتصوف وإن كانت كلمة حديثة في عصرنا إلاّ أن محتواها
عبارة عن تطبيق أوامر الله تعالى في سلوكنا وأخلاقنا.
والمسلمون أخذوا النبي الأكرم أسوة حسنة لهم في تطبيق
سلوك حياته وكان خلق الرّسول القرآن الكريم،
والمتصوفون من الشيوخ والمريدين يتسابقون في تقليد
صفات الرسول (ص). لقد شجع الدّين الإسلامي على الزهد
في الدنيا وذم الرغبة فيها فقال تعالى: (ولا
تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة
الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) طه،
131. وقال تعالى (من كان يريد
حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا
نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) الشورى،
20. وقال تعالى (اعلموا أنما
الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في
الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج
فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد
ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع
الغرور). الحديد، 20. وقال تعالى: (وفرحوا
بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع)
سورة الرعد، 26. وقال عز وجل (إنَّما
مثلُ الحياة الدُّنيا كماءٍ أَنزَلناه منَ السماء
فاختَلط به نبات الأَرض مما يأْكل النَّاس والأَنعام
حتى إِذا أَخذتِ الأَرض زخرُفها وازينت وظَن أَهلهَا
أَنَّهم قادرُون عليها أَتاها أَمرنا ليلاً أَو نهاراً
فجعلناها حصيداً كأَن لمْ تغن بالأَمس كذلك نفصل
الآيات لقومٍ يتفكرون) يونس، 24. وقال تعالى
حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: (
يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا
متاع و إن الآخرة هي دار القرار) سورة غافر،
39 .
والزهد
والتصوف الوارد في الأحاديث، منها: ما رواه البخاري
ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا
عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة).
وما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن الشخير
رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو
يقرأ: (ألهاكم التكاثر)
قال: (يقول ابن آدم: مالي مالي،
قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت،
أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت). وما رواه
البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم: (تعس
عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي
رَضِيَ، وإن لم يُعطى لم يرضَ. وما رواه ابن
ماجه في سننه وصححه الألباني من حديث سهل بن سعد رضي
الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل
وقال له: دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله
وأحبني الناس؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (ازهد
في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك
الناس). وما رواه ابن ماجه في سننه من حديث ابن
مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة
القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر في الآخرة).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو
كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً
منها شربة ماء).
أقوال العلماء في التّصوف الإسلامي:
كثيرة منها: قال السّيوطي في (النقابة): التّصوف تجريد
القلب إلى الله تعالى.
وقال القشيري : انفرد خواص أهل السّنة الحافظون قلوبهم
عن طوارق الغفلة باسم التّصوف.
وقال السّبكي في كتاب (معيد النّعم): وللصوفيين أوصاف
وأخبار اشتملت عليها كتبهم.
وقال الصوفي جنيد البغدادي: أن أركان التصوف هو:
الذّكر الدّائم والطّهارة الدّائمة والصّوم الدّائم
والمراقبة الدائمة.
وقال غيرهم: أنه تربية للنفس وترقيتها من النفس
الأمارة الى النفس اللّوامة ثمّ النفس المطمئنّة ثمّ
النفس الرّاضية ثم النفس المرضيّة فالنفس الكاملة.
أوائل الصوفية والمؤيدين لها:
وقد صدق القشيري في ذلك، فإن أول من سمي بالصوفي أبو
هاشم الصوفي المتوفى
سنة 150هـ، ثم تتالت التسمية في كثير من العباد
والزهاد وأهل الإقبال على
الله بالتجرد، وعلى النفس بالإصلاح، أمثال أبي حازم
سلمةَ بن دينار
المخزومي، والمعافى بن عمران، والفضيل بن عياض، ومعروف
الكوفي، وبشر بن
الحارث الحافي، والحارث بن أسد المحاسبي، وأبي يزيد
البسطامي، وأبي بكر الوراق، وسهيل بن عبد الله
التستري، وأبي القاسم الجنيد بن محمد.
أما عن أول من حدد نظريات التصوف وشرحها هو ذو النون
المصري (245هـ )تلميذ
الإمام مالك والذي شرحها وبوبها ونشرها هو الجنيد
البغدادي المتوفى سنة (334هـ.
أسس التصوف الإسلامي:
"يعد
مبحث التصوف من أهم المباحث التي يستند إليها الفكر
الإسلامي إلى جانب علم الكلام والفلسفة. وقد أثار
التصوف الإسلامي جدلاً كبيرًا بين المستشرقين
والباحثين العرب والمسلمين حول مفهومه ومواضيعه
ومصطلحاته ومصادره وأبعاده المنهجية والمرجعية. ويرتكز
التصوف الإسلامي على ثلاث مكونات أساسية وهي: ـ
الكتابة الصوفية. ـ الممارسة الروحية. ـ الاصطلاح
الصوفي.
وتنحصر مواضيع التصوف حسب ابن خلدون في أربعة أغراض
أساسية:
1ـ المجاهدات وما يحصل من الأذواق والمواجد ومحاسبة
النفس على الأعمال لتحصل تلك الأذواق التي تصير مقاما
ويترقى منه إلى غيره.
2ـ الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب مثل: الصفات
الربانية والعرش والكرسي والملائكة والوحي والنبوة
والروح وحقائق كل موجود غائب أو شاهد وتركيب الأكوان
في صدورها عن موجودها وتكونها.
3ـ التصرفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات.
4ـ ألفاظ موهمة الظاهر صدرت من الكثير من أئمة القوم
يعبرون عنها في اصطلاحهم بالشطحات تستشكل ظواهرها
فمنكر ومحسن ومتأول.
مفاهيم التصوف:
للتصوف مفهوم خاص للمواضيع العلمية ويعبرونها بتعابير
قد تكون مضادة عند الأخرين، ومثل هذه العبارات يمكن أن
نجد في كافة ثقافات العالم، أي هناك فهم ظاهري يفهمه
كل الناس وفهم باطني لا يفهمه كل الناس والمعنى قد
يبقى عند القائل كما قيل "المعنى في قلب الشاعر" وقد
لانفهم ما يريده القائل. ففي التصوف عندما ينطق الشيوخ
عن غير إرادة عن حقائق قد لا نفهمه نظنه أنه مخالف
للمنطق، وعند الصوفية تطلق لهذه العبارات التي ينطقها
الشيخ بعبارات مختلفة منها: حالة الكشف أي وهم أصحاب
الكشف والمعرفة ـ شطحات صوفية ـ الإلهام والفيض
الرباني ـ العشق والجذبة الإلهية (ويكونوا مجذوبين) ـ
حالة السكر بسبب العشق الإلهي، وعند النطق في هذه
الأحوال ببعض الحقائق الغير مفهومة عند العوام وحتى
عند الخواص من الناس، حينئذ تظهر مشكلة عدم الفهم
ويبقى أكثرهم متحيرين لا يستطيعون قبوله أو ردّه، لأن
فيها بعض الحقائق وكلام صادر من عالم معروف بأقواله
وأخلاقه ومتقي وزاهد. ولكن عند صحوة الشيخ من حاله لا
يردد وحتى يمتنع من إعادة مقاله للمريدين لأنه يعرف
أنه يشكل مشكلة عند عدم فهمهم. وبعد ذلك المريدون
يرددون هذه الأقوال والعبارات التي وصلوا إليها عن
طريق سماعهم وإحساسهم بها، وهذا يجعل أكثر العلماء بأن
لا يقبلوا هذه الأقوال التي لم تبنى على المصادر
المنقولة والتي لا تشكل دليلاً لحقائق علمية ولا
دليلاً قرآنيًّا أو حديثًا نبويًّا.
علمًا أن مفهوم وحدة الوجود عنده الصوفية أحد الحالات
الروحية، وتختلف مفهومها عند المشركين.
أما موضوع الحلول فقد ردّده الحلاج وفهم الناس معناه
بالخطأ، ولكن موضوع الحلول لا يقبله أكثر العلماء.
وعندما قال "أنا الحق" في الظاهر يعني كما يفهمه
الجميع بمعنى "أنا الله". وهذا كفر، ولكن الشيخ الله
أعلم أراد بهذا القول "أنا من الحق" أي أنا آية من
الحق وهو الله تعالى وكل شيء يرجع إلى أصله دون أن
يفنى أو يتغير. ولهذا نقول يجب الاستغناء بمثل هذه
الأقوال التي يصعب على العوام من فهمها.
والمتصوفة يتجاوزون الحس والظاهر إلى استكناه القلب
واستنطاق مقاماته وأحواله لتأسيس تجربة روحانية وتأصيل
حضرة ربانية قوامها العشق والمحبة والزهادة وتأويلها
عرفانيا ولدنيا، بينما يكتفي الفقهاء وعموم الناس
بظاهر النصوص وسياقاتها السطحية مخافة من التأويل
وإثارة الفتنة في المجتمع. عند ذي النون المصري أن
المريد أو السالك أو العارف الفقير لابد أن يمر
بمجموعة من الأحوال والمقامات في سفره الروحاني
وتعراجه الصوفي لكي يصل إلى الحقيقة الربانية
العرفانية القائمة على التجلي وانبثاق النور الرباني
والانكشاف الإلهي. ويسمى الذي يعبر هذه المراحل
بالسالك وعملية السلوك تسمى سفرًا أو حجًّا، وسميت
المراحل بالمقامات والصفات الموهوبة أحوالاً. وقد
جعلها الطوسي في كتابه" اللمع" سبعًا، كل مقام يسلم
لمقام آخر بشكل متتابع.
ومن هذه المقامات
الصّوفية:
فهي مقام التوبة، ومقام الورع، ومقام الزهد، ومقام
الفقر، ومقام الصبر، ومقام التوكل، ومقام الرضى.
وأما عن الأحوال
الصّوفية:
فهي التأمل والقرب والمحبة والخوف والرجاء والشوق
والأنس والطمأنينة والمشاهدة والتعين. وبالتالي،
فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب.
مواضيع التصوف الإسلامي:
1ـ بيوغرافية علماء التصوف. 2ـ أبحاث في كتب ومصادر
وأوراد ودواوين التصوف. 3ـ تاريخ التصوف الإسلامي.
4ـ نشأة ودور الطرق الصوفية في بناء الحضارة
الإسلامية. 5ـ دور الزوايا والتكايا في التمدن
والتحضر.
أنواع التّصوّف الإسلامي عند العلماء:
1ـ
التصوف الفلسفي: القائم على فكرة الحلول والفناء ووحدة
الوجود، وهذا مرفوض في الإسلام، ويمثله الإمام
الغزالي.
2ـ التصوف الإسلامي: الذي تخدم العقيدة الإسلامية
والأخلاق الإسلامية، التصوف فيها خُلُق، فمن زاد عليك
في الخلق زاد عليك في التصوف، ويمثله الحارث
المحاسبي...؟ (قال فيه ابن القيم في المدارج).
3ـ التصوف الهندي المسيحي الأفلاطوني الحديث: ويمثله
ابن عربي وابن سبعين والحلاّج....
4ـ التصوف التربوي: وهو الذي يعنينا نحن المسلمون في
هذا العصر، مثل وحدة الأديان والتصرف في الكون (هم
أولياء وخليفة الله) وعلوم المتصوفة (أنه علم الباطن
أو علم الحقيقة) الحقيقة المحمدية وتقديس المشايخ وأدب
الصوفية مع الله والغناء والرّقص والصوفية والمردان
وكرامات الصوفية (كل ذلك مردود في الإسلام).
أطوار التّصوّف:
1ـ التصوف العيسوي: رئيسهم سهل بن عبد الله فهو تصوف
الرياضيات والتقليل من الأكل تدريجيًّا.
2ـ التصوف الفكري: فهو التصوف القلبي بالذكر
والاستغراق مع عدم حرمان النفس من حلالها فيبتدئ من
عصر الشاذلي.
3ـ التصوف التقليدي: محاكاة لإحدى الطريقتين من غير
استفراغ الجهد.
4ـ التصوف المحمدي: أي الإسلامي فهو أسلم مناهج التصوف
وصالح في هذا العصر ويبدأ بالتوبة والإتجاه إلى السنة
ومشاهدة القلب مباشرة دون الشيوخ.
الفصل الثالث
الطرق الصوّفية والمواضيع المتعلقة بها
الطرق الصوفية المشهورة:
كما نعلم أن التصوف والطريقة ظهرت في القرن السادس
الهجري أو السابع الهجري كما ذكرنا أي في العهد
العباسي ومع ظهور الدولة السلجوقية، واتخذت طابعًا
دينيًّا جديدًا، وشعارهم: المعرفة بالشريعة ثم
بالطريقة ثم بالحقيقة. وقال (ص) (اتّقوا فراسة المؤمن
فإنه ينظر بنور الله) رواه الترمذي.
ومع الأسف الشديد وبعد سقوط الدولة العثمانية دخلت
الصوفية في سياسة الدولة، وبدأ بعض دول الاستعمار وحتى
الطغاة من الحكام بإغراء قسمًا من أجل مواصلة حكمهم
ومصالحهم السياسية. ومن هذه الطرق الصوفية:
1ـ الطّريقة القادريّة:
نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني توفي عام 1160م في
بغداد اسمه أبو سعيد مبارك بن علي المحزومي، وهو من
المذهب الحنبلي، يستعملون الذّكر الجهري في عبادتهم،
له مريدون من أندونوسيا وباكستان إلى المغرب والعراق
وتركيا. وفي الأونة الأخيرة دخلت فيها بدع كثيرة خرجوا
عن منهج الشيخ عبد القادر بشكل واسع. ومن مؤالفاته:
الغُنية، فصولات الرّبانية، فتح الرّبانية، فتوح
الغيب.
أوراد الطريقة القادرية كالأتي:
وتَكون بعد صلاة الفروض أو بعد صلاة ركعتين من السنة
ثم قراءة القرآن الكريم ويبدأ بالذّكر:
1ـ حسبُنا الله ونعم الوكيل (مائتي مرة) .
2ـ اَستـغفر الله العظـيم (مائتي مرة).
3ـ لا إله إلا الله الملك الحـق المبين (مائتي مرة) .
4ـ اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(مائتي مرة) . وتزيد بعد الفجر والمغرب.
1ـ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
(سبعًا).
2ـ اللهم يا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير
(سبعًا).
3ـ اللهم يا واحد يا أحد يا موجود يا جواد انفحني
بنفحة خير منك تغنيني بها عمن سواك (سبعًا) .
4ـ اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت (أربعًا
وعشرون) .
5ـ اللهم صلي على سيدنا محمد وارضىَ على روح غوث
الثقلين سيدي الشيخ عبد القادر الجيلي وارضىَ عن شيخي
وعن أشياخي أولهم وأخرهم واجزهم عني خيرا (ثلاث مرات)
.
6ـ اللهم إني أعوذ بك من كـُلَ صاحب يرديني ومن كـُلَ
أمل يغويني ومن كـُلَ عمل يخزيني ومن كـُل غني يطغيني
ومن كـُل فقر يلهيني اللهم إني أعوذ بك من الهم و
الحزَن وأعوذ بك من الجُبن والبُخل وأعوذ بك من العجز
والكسل وأعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال وأعوذ بك
من قلب لا يخشع وعين لا تدمع ونفس لا تقنع وعلم لا
ينفع وأعوذ بك من هؤلاء الأربع. ثمّ التفكر بعظمة الله
تعالى. وأقول بالله عليكم أين البدعة في الأذكار
والعبادات الأخرى عندهم؟
2ـ الطّريقة النّقشبنديّة:
نسبة إلى الشيخ بهاء الدين نقشبندي توفي في بخارى عام
1389م كانوا يستعملون الذّكر الخفي في عبادتهم، جلبت
هذه الطريقة لأول مرة إلى أناضول الملا إلهي توفي عام
1491م، وإلى العراق مولانا حالد البغدادي عام 1826م.
مؤلفاته: تنظيف الظاهر بالشريعة، تنظيف الباطن
بالطريقة، الوصول إلى الله بالحقيقة الكبرى، الوصول
إلى الله بالمعرفة. وشيخهم في سنة الألفين هو الشيخ
عثمان بيارة رحمه الله لقد توفي في إسطنبول ودفن هناك.
بدعهم أقل من الطرق الأخرى.
أوراد الطريقة النقشبندية بعد الصلوات الخمسة كالأتي:
وتَكون بعد صلاة الفروض أو بعد صلاة ركعتين من السنة
ثم قراءة القرآن الكريم ويبدأ بالذّكر
1ـ ثلاث صلوات شريفة. 2ـ مائة اِستغفار. 3ـ 21 يا سلام
يا هادي. 4ـ ثلاث صلوات شريفة أخيرة.
أوراد الرابطة اليومية الجماعية:
1ـ الصلاة ويكون إما ركعتان من النوافل أو بعد صلاة
الفرائض.
2ـ 15 صلوات شريفة.
3ـ 15 اَستغفر الله العظيم. 4ـ قراءة سورة الفاتحة مع
الإخلاص (ثلاث مرات). 5ـ رابطة الموت. 6ـ رابطة الشيخ
أي التفكر بأحواله ثم التفكر بالرسول (ص) ومن ثم
التفكر بعظمة الله تعالى.
3ـ الطّريقة الرّفاعيّة:
نسبة إلى الشيخ أحمد الرفاعي، جاء من إيران وتوفي عام
1183م في بصرة العراقية، كانوا يستعملون أثناء عبادتهم
السيوف في قطع أعضاء الجسم وزرق الرماح والسكاكين على
الأجسام وأكل الزجاج والمشي على النار. ويدّعون أن
عملهم هذا كرامة إلهية للشيخ لأجل إقناع الكفار على
وجود الله تعالى. كلها بدع لا يقبلها الدين الإسلامي.
وبعملهم هذا حرجوا عن مسار الشيخ الرفاعي.
أوراد الطريقة الرفاعية:
قراءة سورة: الفاتحة (7) مرات، وآية الكرسي (7) مرات،
وسورة الكافرون (7) مرات، وسورة الإخلاص( 7) مرات،
وسورة الفلق (7) مرات، وسورة الناس (7) مرات. وسبحان
الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلى
العظيم (7) مرات،
واللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي المليح،
صاحب المقام الأعلى واللسان الفصيح، وعلى اله وأصحابه
أصحاب المدد العالي والقدم
الصحيح، أمين (7) مرات. واللهم اغفر لي ولوالدي وما
تناسل منهما
ولاهلينا وللمؤمنين والمؤمنات، ولمشايخنا ولإخواننا
الأحياء منهم والأموات،
وألحقنا وإياهم بعبادك الصالحين. (7) مرات. واللهم
افعل بي وبهم عاجلا
وآجلا في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل، ولا
تفعل بنا يا مولانا ما نحن له
أهل، انك غفور حليم ، جواد كريم ، رؤوف رحيم. (7)
مرات.
نفعنا وإياكم بها، في الحالين، وجعلنا ، من أهل
اليقين. آمين.
4ـ الطريق المولوية:
نسبة إلى مولانا جلال الدين بن بهاء الدين الرومي توفي
عام 1273م بقونيا التركية، من أساتذته شمس الدين
تبريزي، كانوا يستعملون الحركات التعبدية الخاصة (حركة
الدوران) في كافة أذكارهم، يهتمون في ذكرهم على
الموسيقى التصوفية، دخلت في هذه الطريقة أيضًا بدع
كثيرة كالغناء والدبكات، فخرجوا عن منهج مولانا. ومن
مؤلفاته: ديوان الكبير، في ما في.
5ـ الطّريقة الباطنيّة:
وهم يدعون أنهم أهل الحق لأنهم من سلالة الرسول (ص)
ولهم العصمة لله ويرون الحقائق بنظر عيونهم وحاستهم
الباطنية، وفيها أيضًا كثيرًا من البدع وهم خارجون عن
طريق الرسول (ص).
6ـ الطّريقة الشّاذليّة:
نسبة إلى مؤسسها الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ظهر في بلاد
المغرب ثم سافر إلى مصر مع تلاميذه جنوب أفريقيا وتوفي
عام 1258م في مصر،
واستوطنوا مدينة الإسكندرية حوالي سنة 642ھ
/ 1243م وكونوا بها مدرسة صوفيّة. وكان من أشهر تلامذة
أبي الحسن الشاذلي الشيخ أحمد أبي العبّاس المرسي
الّذي خلفه وتولى قيادة الطريقة الشاذليّة حتّى وفاته
بالإسكندريّة سنة 686
ھ
/ 1284م، ثمّ خلفه تاج الدين بن عطاء الله السكندري
المصري الّذي ألّف في مناقب شيوخه كتاب لطائف المنن.
وله خمس كتب.
7ـ الطّريقة البيراميّة:
نسبة إلى الحاج بيرام ولي توفي عام 1430م، في أنقرة
إسمع نعمان ولي، أكمل دراسته في بورصة وأنقرة.
8ـ الطّريقة البكتاشيّة:
نسبة إلى الحاج بكتاش ولي، توفي عام 1271م، وهو من أهل
خرسان سافر إلى أناضول، إلاّ أن طريقته اِختلط بطريقة
الباطنية والخرافية والعلوية والمسيحية والشامنيزية.
له كتاب المقالات باللغة العربية.
9ـ الطريقة البدوية:
نسبة إلى رئسهم أحمد بن علي البدوي ولد في فاس وهاجر
إلى مكة ومصر والعراق وتوفي عام 1278م.
10ـ بقية الطرق الصوفية:
الطريقة الجلوتية، الدسوقية، الأكبرية، الخلوتية،
الكُبروية، المدينية، اليسوية، السهروردية، السعدية.
التّفكر والعُزلة في التّصوف:
المسلم الملتزم الذي يريد عيش الإسلام الصحيح كما أراد
الله منا، عليه أن يجمع ساعات من العزلة والخلوة يحاسب
فيها النفس من الأخطاء التي قد ارتكبها، وأن يراقب
الله تعالى، ويفكر في خلائق ومظاهر الكون ودلائل عظمة
الله تعالى طاعة له. لأنه سنة رسول الله (ص) وحققه
الصحابة والأولياء الصالحون وكثير من المسلمين.
فالرسول (ص) كان يعتكف قبل وبعد النبوة في غار حراء.
وفي حديث عن أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله، أي الناس
خيّر؟ قال (ص) (رجل يجاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من
الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره). وعن عقبة بن عامر
قال: قلت يا رسول الله، ما النجاة؟ قال (ص) (أملك عليك
لسانك، وليسعك بيتك، وإنك على خطيئتك)، وقال (ص) (تفكر
لله ساعة خير من عبادة سنة). (ركعتان مقتصدتان في تفكر
خير من قيام ليلة والقلب ساه). وقال عمر (رض) (خذوا
بحطكم من العزلة). وقال داود الطائي "فرّ من الناس كما
تفرّ من الأسد". قال أبو الدّرداء (رض) (نعم صومعة
المرء المسلم بيته، يكفّ لسانه وفرجه وبصره، وإياكم
ومجالس الأسواق فإنها تلهي وتلغي).
وحدة الوجود في التصوف:
يعتقد المتصوفة أنه ليس هناك موجود إلاّ الله، وما هذه
المخلوقات إلاّ مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة
الإلهية. فالمخلوقات جميعها صفات لله تعددت لتعريب عن
الصفات الكثيرة له، فلا فرق ولا مغايرة بين الخالق
والخلق.
أي أنهم يدعون بأن الإنسان حمل نفس صفات الله تعالى
ليظهر الصفات الجميلة للحق من أولها إلى أخرها. ومن
شيوخهم ابن العربي، وعبدالكريم الجيلي، وغيرهم.
علمًا أنّ مفهوم وحدة الوجود تختلف عما هو موجود عند
الوثنيين والهنود، كما هو موضح أعلاه، فكل شيء عائد
للكائن المطلق ويمثل الله تعالى والكائنات الموجودة في
السموات هم صور لله تعالى.
ملاحظة: لصعوبة فهمه لقد حرمه العلماء من طرحه بين
المريدين والناس.
النظريات الصوفية في وحدة الوجود لابن عربي الأندلسي:
ومفادها أن المحب يفنى في محبوبه ويحبه بكل قلبه حتى
لا يكون هناك فرق بين محب ومحبوب. كما أن هذه النظرية
الصوفية ترفض نظرة الفلاسفة في رؤيتهم الأنطولوجية
عندما يقسمون الوجود قسمين: الله والعالم الموجود، أي
إن هناك ثنائية وجودية: واجب الوجود وممكن الوجود،
ويترجم هذا أن الواحد تصدر عنه الكثرة، أي كثرة
المخلوقات والمصنوعات، بينما ابن عربي يرى أن هذه
الكثرة لا ترى إلا على مستوى الظاهر، ولكن على مستوى
الباطن هناك وحدة وجودية تنصهر فها المخلوقات مع
الخالق الأزلي. أي أن هناك وجودا واحدا يلتحم فيه
العاشق الصوفي مع المعشوق الرباني في وحدة من الاتحاد
والشوق الروحاني. ومتى كانت هناك كثرة فتعود في الأصل
إلى هذه الوحدة الصوفية. وتشبه هذه النظرية فكرة أبي
يزيد البسطامي صاحب نظرية الفناء، وهي أن العاشق يفنى
في حبه للمحبوب.
ويمكن القول بأن التصوف عبارة عن رحلة روحانية أو سفر
معراجي له بداية ونهاية ووسط، فالبداية هي التطهير
والهروب من الدنيا الزائفة، والوسط هي الخلوة والرياضة
الروحية والمجاهدة الصوفية، أما النهاية فهي اللقاء
والوصال اللدني. تمتاع بالصفاء النوارني والاحتماء
بالحضرة الربانية وصالا ولقاء. ويقول
ابن خلدون
عن أصحاب المجاهدات والتجليات الغيبية والكرامات
الخاصة بالمتصوفة والأولياء الصالحين وميزها عن
المعجزات الخاصة بالأنبياء، كما اعتبر صاحب الشطحات
معذورًا، لأنه يكون في حالة سكر وانتشاء ذوقي لايعي
مايقوله أو ما يردده من أقوال أو ألفاظ أو مرويات".
والشيخ ابن تيمية
لايؤيد فكرة التصوف التي يؤيد وحدة الوجود ويقول أنه
انتشر إلينا من بلاد الفارس والتي دب خطرها
وسقمها في كل البلاد الاسلامية.
الحُلول والفناء في الله عند المتصوفة:
تعريف الحلول: المراد به الفناء في ذات الله واضمحلال
الذات البشرية بالذات الإلهية. وهو عقيدة ذات أصل
هندوسي ونصراني وكان أول من نادى بها من المتصوفة
الحسين بن منصور الحلاج،
الذي لقبه الصوفية بشهيد العشق الإلهي. وقد أجمع علماء
مصر على إباحة دمه، وكذلك
ابن فارض.
ثم أن الفناء في ذات الله غاية الغايات عند معظم
المتصوفة.
ملاحظة: لموضوع الحلول والفناء آراء كثيرة لعلماء
المسلمين،و أكثرهم يحرمونه، لصعوبة فهمه عند العوام
عقلاً ومنطقًا وإن نطق بعض المتصوفة على نية صالحة.
أراء الإمام الغزالي على وحدة الوجود والحُلول أو
الفناء:
أـ إيمانه بوحدة الوجود وبالحلول: فيقول: الكل من
نوره، بل هو لا هوية لغيره إلاّ بالمجاز. بل كما لا
إله إلاّ هو، فلا هو إلاّ هو. ويؤكد الغزالي إيمانه
بالحلول بين الخالق والخلق وفناء المخلوق في الخالق
فيقول: " له نزول إلى سماء الدنيا، وأن ذلك هو نزوله
إلى استعمال الحواس، وتحريك الأعضاء، وإليه الإشارة
بقوله عليه لسلام صرت سمعه..... الحديث فهو السامع
والباصر والناطق إذن لا غير".
ب ـ اعتراض الغزالي وانتقاده لتوحيد الرسل والأنبياء:
يرى أن توحيد الرسل هو توحيد العوام ويؤكد على تقسيم
المتصوفة للتوحيد مخالفًا بذلك إجماع أهل السنة
والجماعة في تقسيمهم للتوحيد، إلى أربع مراتب...
والثانية أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه، كما صدق به عموم
المسلمين وهو إعتقاد العوام! والثالثة: أن يشاهد ذلك
بطريق الكشف، والرابعة: ألا يرى في الوجود إلاّ واحدًا
وهي مشاهدة الصّديقين، ويسميه الصوفية الفناء. وهذه هي
الغاية القصوى في التوحيد، فلا يرى الكل من حيث أنه
كثير بل من حيث أنه واحد.
ويتابع وصفه لتوحيد الرسل والأنبياء والمسلمين بأنه
توحيد العوام فيقول: " لا إله إلاّ الله توحيد العوام،
ولا هو إلاّ هو توحيد الخواص، لأن ذلك أعم، وهذا أخص
وأشمل وأحق وأدق وأدخل بصاحبه في الفردانية المحصنة
والوحدانية الصرفة".
أَنواع العِباد في نظر القرآن الكريم: وهم
أـ السّابقون السّابقون (وكذلك الذين آمنوا):
وهم: السّابقون السّابقون أولئك المقربون. ويزداد
الذين آمنوا إيمانًا. من الأنبياء والصحابة الكرام.
1ـ الأنبياء. 2ـ الصحابة. 3ـ الشّهداء والصّديقون.
4ـ الأولياء والمتقون والصّالحون.
ب: المؤمنون:
وهم من (أصحاب
الميمنة، وأصحاب اليمين)
ويمكن تقسيم عناصرهم كما يلي:
1ـ الطيبون والعَابدون
والمُحسنون. 2ـ
ضعفاء
الإرادة والجَهل بالدين: وسبب كونهم هكذا قد يرجع إما
إلى أسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو
ثقافية.. 3ـ الذين في قلوبهم مرض.
ج: الكَافرون:
وهم من (أصحاب
المَشئمة، واصحاب الشّمال)
ويمكن تقسيم عناصرهم كما يلي:
1ـ الفاسقون والكفار:
وهم الخالدون في نار جهنم إلاّ مَن تاب وآمن بالله
تعالى.
ويمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام: وهم كالأتي:
ـ الطّاغون والجبّارون والظّالمون.
ـ المشركون والمرتدّون والكفَار.
ـ العاصون والمراءون والفاسقون.
2ـ المنافقون:
وهم (المتذبذبون والمراءون)
وهم في الدّرك الأسفل من النّار.
وهم ويّمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام وهم:
ـ الذين يعملون لإطفاء نور الله وهدم الدّين الإسلام
الحنيف، بالمال والنّفس وبكافة أساليب المكر والخداع
والقتل والتّدمير. يتحركون على شكل أفراد أو جماعات.
وهم أشدّ عذابًا وإثمًا من الكفار والمشركين.
ـ الذين يعملون من أجل استغلال ثروات العالم، ويتحركون
على شكل أفراد أو جماعات، فيُبيحون القتل الجماعي
للشعوب المخلصة، وبهدم كافة مؤسّسات الدّولة وخاصّة
الاقتصاديّة والصّحيّة والاجتماعيّة ونحو ذلك.
ـ الذين يعملون من أجل مصالحهم الفرديّة أو الأسريّة.
وهم مصابون بداء حب الذات، ولا يهمهم غيرهم إلاّ هم.
المتّقون في الإسلام:
هدف الإسلام هو تنشأة الشخصيات البارزة المتقية في
الدُّنيا وتكوين دولة إسلامية وتنفيذ أوامر الله فيها،
وهؤلالء قد يأخذوا تربية الأنبياء كأصحاب النبي محمد
(ص) أو تربية العلماء والأولياء، لأنهم ورثة الأنبياء
ويأخذوا تعليمهم وتربيتهم إما من زوايا ومدارس العلوم
الفقهية أو تكايا ومدارس العلوم الصوفية أو عن طريق
مدارس وجامعات إسلامية حديثة. وأقسام المتقين هم:
1ـ المتقون من الخلفاء والأمراء والقادة الصّالحون:
كتب التاريخ مليئة بأمثالهم منذ خلق آدم من هابيل
وأولاد نوح (ع) عدا كنعان، وفي قوم إبراهيم وداود
وسليمان ويوسف وموسى وعيسى ونحوهم إلى قوم محمد عليهم
السّلام من الخلفاء الرّشدين وعدد كثير من حُكّام
الأمويّين والعبّاسيين والسلجوقيين والعّثمانيّين. وفي
العصر الحديث أي بعد سقوط الخلافة العثمانية
الإسلامية، وإن قلّ عددهم ظهرت شخصيات بارزة بين حين
وأخر مثل عبد السلام عارف رئيس جمهورية العراق سابقًا
وإن كان قوميًا فكان له الغيرة على الدين الاسلامي
واشترك في حرب فلسطين عام 1948، والزعيم عمر علي "قائد
عسكري في العراق الذي دخل فلسطين في حرب 1948 وخانه
الملوك العراقية وأجبروه على الرجوع مع الجيش"، وضياء
الحق في باكستان وإن كان له بعض الأخطاء، ولكنه تقرب
من الجماعات الاسلامية الباكستانية وحتى أنه طبق
الشريعة الإسلامية في بلده بعد توصية من الداعية
المصرية زينب الغزالي، وحسن الترابي رئيس وزراء السابق
في السودان لقد أيد مجيء عمر البشير لرئاسة الجمهورية
فجلبوا الشريعة الإسلامية لبلدهم، ولكن عمر البشير
خانه وأبعده عن السياسة، وبدأ الحكم الدكتاتوري في
السودان. والملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية
السابق الذي تمنى باسترجاع فلسطين وقتلوه وملك حسن أخو
الملك حسين ملك الأردن السابق الذي لم يقبله الاستعمار
من تولي مقام أخيه في أردن بسبب تدينه مما أجبر على
ترك بلاده، والمجاهد عمر المختار في ليبيا، وعزة
بوكوفيج رئيس جمهورية بوسنة هرسك، وطرغت أوزال رئيس
جمهورية تركيا السابق ونجم الدين أربقان رئيس وزراء
تركيا السابق وطيب أردوغان وعبد الله كول وحتى أنهم
غيروا الكثير من القوانين التركية لصالح المسلمين،
والمجاهد عبدالله يوسف العزام في فلسطين وحسن البنا في
مصر. ونحو ذلك في بقية الدول الإسلامية من أندنوسيا
وماليزيا كثيرون لهم الفضل في حماية حقوق المسلمين.
2ـ المتقون من الفقهاء والعُلماء العاملين:
وقد تدرّجوا في العلم عن طريق المدارس العلميّة
والاجتهاد الكثير. فلا بأس بهم في تغيير الأحكام الغير
الإسلامية إلى الأحكام الإسلامية، وهم المستهدفون
دائمًا من قبل رؤساء وزعماء الدول الإسلامية الطاغية
بشكل خاص ومن قبل الدول المستعمرة بشكل عام. وهم
كثيرون منهم: أحمد الكبيسي، وعبدالكريم زيدان، والشيخ
إبراهيم النعمة، والشّيخ
ملا رضا الواعظ الكركوكي
في العراق، وبديع الزمان سعيد نورسي، وشيخ الإسلام ملا
خسرو في تركيا،
والشيخ ابن عثيمين والشيخ أبو اسحاق الحويني
في السعودية، والشيخ عثمان الخميس وعبد الله النفيسي
في الكويت، وراشد غنوشي في تونس، ومنير شفيق في لبنان،
ومحمد عمارة والعلامة يوسف القرضاوي من مصر وهو مقيم
الآن في القطر، وقاضي والعلامة
الطاهر الزاوي
من ليبيا، وأحمد حسين والإمام الممدودي في باكستان
وأبو الرضاء محمد نظام الدين الندوي في بنكلادش، ونور
هدايت واحد في أندنوسيا وسعيد رمضان البوطي في سوريا،
ونحو ذلك.
3ـ المتقون من الزّهاد والأولياء الصالحين:
والتي نحن بصدده في هذا المقال، وهم من الأولياء
والزهّاد قد يكونوا علماء أو أميين، وقد ذكرنا أعلاه
عن بعض أسماء علمائهم، وهم أصحاب التّفكر والكشف
والفطرة السّليمة وأصحاب الفراسة. والنّبي الأميّ محمد
(ص) قبل نبّوتهِ كان من الزّهاد والأولياء الصّالحين،
وحتى الأعرابي الأميّ عندما
سُئل عن الدّليل على
وجود الله تعالى فقال: البعرة تدل على البعير،
والرّوثة تدل على الحمير، وأثار القَدم تدلّ على
المسير، فسماء ذات أبراج وأرضٍ ذات فُجاج وبحار ذات
أمواج أما تدلّ على الصانع الحليم العليم القدير كان
من الأولياء الصالحين.
ويمكن أن نجد في كتب التّاريخ أعداد هائلة من هؤلاء،
وأكثرهم لم يأخذوا العلوم التّقليديّة، وقال (ص) فيهم
(من عادى لي وليًّا فقد أذنتهُ بالحرب) حديث قدسي رواه
البخاري. هؤلاء والأقسام الأخرى التي ذكرتها كلهم
محاربون في كافة الدول الإسلامية.
صفات أولياء الله:
يُمكن تلخيص ذلك: أنهم يطبقون القرآن والسُّنة بأفضل
شكلها، ونذكر من بعض هذه الصّفات :
1ـ الإيمان المطلق لله تعالى ولملائكتهِ ولرسلهِ
وباليوم الأخر وبالقدر خيره وشرّهِ.
2ـ الشّكر على النّعم في كلّ آنٍ وفي كل الأحوال،
والصّبر على البلاء، والتّوبة من كلّ ذنب.
3ـ قول كلمة حقٍّ عند سلطان جائر، والأمر بالمعروف
والنّهي عن المنكر، وعدم الخوف لومة لائم.
4ـ الحُب والبغض لأجل إرضاء الله تعالى لا لأجل
المصالح الشخصية كما قال الله (ويؤثرون على أنفسهم ولو
كان بهم خصاصة).
5ـ التّواضع والرّحمة والعطف والاحترام، والمراقبة
والتّفكّر.
6ـ المُحافظة على الفرائض والسّنن والآداب وكذلك
الخشوع في الصّلاة وبالجماعة، وقيام اللّيل، والصّوم
الدّائم، والذّكر الكثير، وقراءة القرأن.
7ـ عدم الكذب وعدم اليأس وشهادة الزّور والرّياء
والكبر والحسد والحقد والظّلم والغيبة.
8ـ الصّدق الإخلاص والنّيّة الصّالحة مع الله تعالى.
9ـ الكرم والجود والانفاق، وحبّ الخير لكل البشرية من
أجل إرضاء الله تعالى.
10ـ رعاية حقوق وواجبات الأفراد والأسرة والجيران
والأقارب والمجتمع والدّولة.
للإنسان أولياءه إمّا صالحون أو فاسقون: ومن هذه
1ـ
أولياؤهم هو الله عز وجل:
قال الله تعالى (ألا إنّ أولياء الله لا خوفٌ عليهم
ولاهُم يحزنون).
(والله وليُّ المؤمنين).
2ـ أولياءهم من الرسل والمؤمنون: قال الله تعالى
(والمُؤمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ).
(إنَّمَا وَليِّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِين
آمَنُوا الّذِين يُقِيمُون الصَّلاةِ وَيُؤتُونَ
الزَّكَاة وَهُم رَاكِعُون).
(إنّ أولياؤه إلاّ المتّقون).
3ـ
أولياؤهم من الشّياطين: قال الله تعالى (إنَّا جَعَلنا
الشِّيَاطين أولِيَاء للِّذيِن لا يُؤْمِنُون)
.
(فَقَاتِلوا أولِيَاء الشَّيْطَان).
4ـ أولياؤهم من الكفار والفساق: وهؤلاء أعداء الله
وعدوّكم. آية على ذلك (قُل أفإتّخذتم من دونهِ أولياء
لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا.
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ
اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ).
الفصل الرابع
دواعي ظهور التصوف وكيفية تربية النفس
سبب ظهور التّصوف والمذاهب والعقائد الدّينية
المختلفة:
انطلاقًا من المبادئ الإسلامية في قوله صلى الله عليه
وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن
تضلُّوا من بعدي أبدًا: كتاب الله وسنَّتي). وعملاً في
كيفية تطبيقها برزت هذه الاختلافات في الاجتهاد ، وذلك
بسبب درجات العقول وفهم المواضيع حسب قابلية الإنسان
فقال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون) .(إنما
يخشى اللهَ من عبادهِ العلماء). (يرفع الله الذين
أمنوا منكم والذين أوتوا
العلم درجات). (فأسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا
تعلمون). (يا
أبت إني قد جاءني من
العلم مالم يأتيك فأتبعني أهدك صراطًا سويًّا)
.(ليتفقهوا في الدّين). (شهد الله
إنّه لا اله إلاّ هو والملائكة وأولو العلم قائمًا
بالقسط). (وما أُتيتم من العلم
إلاّ قليلاً). (لكن الرّاسخونَ في العلمِ منهم
والمُؤمنونَ يُؤمنون بما أنزلَ إليكَ) .(وقل
ربّي زدني علمًا). وقال الرّسول (ص) أيضًا (كلّموا
النّاس
على عُقولهم. أو أنزلوا الناس منازلهم) أي خاطبوا
الناس على قدر عقولهم وبلسان حالهم.
نفهم من هذا أننا خُلقنا على مستويات ودرجات مختلفة من
العلوم والإدراك وقابلية
الفهم والاستيعاب، وهكذا وجدت المدارس والجامعات
بمراحلها المختلفة وزوايا العلماء التي تهدف المثقفين
وأصحاب العقول والتّكايا المختلفة التي تهدف العوام من
الناس وأصحاب الفطرة السليمة، وهكذا حسب متطلبات
الحياة الإنسانية ظهرت العقائد والمذاهب والطرق
الصوفية والمدارس والجامعات العلمية المختلفة لأجل
إعطاء خدمة إنسانية علمية ودينية ونحو ذلك. وفي الوقت
الحاضر ظهرت المنظمات والأحزاب السياسية والجمعيات
والمؤسسات الخيرية والتعليمية والاوقاف، كلهم بقدر
الإمكان يخدمون دينهم ويريدون أن يكسبوا رضاء الله وأن
يخلدوا مع الصّديقين والشهداء، ومادامت النية خالصة
لأجل خدمة الدين الإسلامي إذًا فلا بأس في كل مواقف
هذه المدارس والجمعيات.
وهكذا انشغل العلماء حسب قدراتهم ودرجة علومهم
وأفكارهم وذكائهم لرسم أصول منهجهم أو طريق مذهبهم أو
نظامهم. فتابعهم الناس وتعلموا منهم علومهم وأمور
دينهم ودنياهم. فمنهم من مالَ إلى أخذ العلوم
الإسلامية من الفقهاء وعلماء العقيدة، ومنهم من مالَ
إلى أخذ العلوم التربوية والروحية من الزّهاد
والمتصوفين، ومن مدارسهم ومؤسسات العلمية ونحو ذلك.
ومهما تعلمنا علينا فيكون هناك تفاوت في الذكاء والفهم
والاجتهاد. وهكذا تتحقق المثل القائل (اختلاف أمتي
رحمة) لأنّ في كلها خير، وحتى في أختلاف الألوان
والألسن والقوميات والصفات والأخلاق، لأنّنا نعلم أنّ
في اختلافها ابتلاء وعبر لأولي الألباب ولمن رحم ربي.
والذي لا ينجح في الابتلاء فيتعصب ويرى فروقًا كبيرًا
بينه وبين غيره من دون أن يأخذ القرآن والسنة منهجًا
لتنوير طريقه، فمصيره معروف عند المسلمين في نار جهنم
خالدين فيها أبدًا. لذا يجب على المسلمين المثقفين
بدلاً من محاربة التكايا وزوايا ومدارس العلوم
والمؤسسات عليهم بإصلاحها وتصحيح أخطائها بالموعظة
الحسنة وبالعقل وباللّين وبالحجج
القوية وبالحوار المتمدن لا أن نكون فظًّا غليظ القلب
ونستعمل القوة العضلية دون القوة العقلية. وأن لا
نكّفر النّاس حسب أهواءنا وكيفما نشاء، وقد يكونوا
خاطئين بالنسبة لك ولكنهم لا يمكن أن يكونوا كفّار
ومشركين عند الله تعالى، لأننا لا نعلم الغيب ولا نعلم
بإيمان الناس، أو أنهم قد يتوبوا ويستغفروا إلى الله
عندما يدركوا خطأءهم. إذا أصررنا على عملنا هذا فقد
نكون نحن خاطئون وعاصون، وكذلك سوف يفرح الأعداء
بعملنا هذا، ثم نضعف قوتنا ونستسلم أمام الأعداء. أنظر
حال المسلمين كيف أنهم أصبحوا سباع وشجعان على بعضهم
وفئران على أعدائهم. ومع الأسف يقتلون بعضهم من دون
مبرر ومن دون أن يخاف الله تعالى. أتدري ما السبب
الرئيسي في ذلك لأن الحكام أغلقوا الزوايا والتكايا
والمدارس والكليات الدينية وقتلوا وهجّروا علماءها.
فأصبحنا لا نتعلم ديننا التي يأمرنا على الحب وإحترام
الناس وعدم الغصب والنهب وعدم الظلم وأكل أموال
الناس...
ومن أجل القضاء على كل الاختلافات البشرية، علينا
بتكوين دولة إسلامية موحدة، وفيها دستور إسلامي موحد
مع إعطاء وظيفة تعليم الناس إلى علماء صالحين وأساتذة
عظام الذين لايخافون لومة لائم ولا يتأثرون بأقوال
الحكام الفاسقين وأن تتولى الإدارة أناس مخلصون وأهلون
لا يفرقون بين الناس ولا يتطرفون في أمر الله تعالى.
لأنّ الجهل هو السبب الأساسي في جعل مثل هذه
الاختلافات التي ذكرناه أعلاه إلى نِقمة كبيرة على
البشرية. والإصلاح والتثقيف والتعليم يجب أبداؤها
أولاً بأنفسنا وأهلينا (ياأيها الذين أمنوا قو أنفسكم
وأهليكم نارًا).(عليكم
أنفسكم لا يضركم من ضل ّإذا اهتديتم).
(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
والرسول (ص) يقول (كلكم راع وكلكم مسؤول عن
رعيته) رواه البخاري. (المُسلم من سلِم المسلمون من
لسانه ويده) رواه الشّيخان. وقال أيضًا (لا يؤمن أحكم
حتى يّحبّ لآخيه ما يُحبّ لنفسه).
شروط ضبط الصوفيين أنفسهم أمام المنكرات:
المعيار الصحيح لأجل تهئة الإنسان نفسه نحو الأفضل
والنصر أمام الأمور الصعاب، أن يتخذ دستوره القرآن
الكريم وسنة الرسول الكريم أسوة لهم.
ولأجل توضيح هذا كيفية ضبط معيار تقواهم علينا أن
نستدلي بمثال في حياتنا التجارية، عند الاشتغال في
المصنع أو في أي مؤسسة تجارية من أجل إنجاحها وربحها
فماذا يجب علينا من العمل:
1ـ فمثلاً عند سعي العمال والعمل الكثير وبجد وإخلاص
دون تقاعس، فيزداد الانتاج والرّبح وصاحب العمل يحبهم
ويكافئهم على عملهم. ومثل ذلك عند أولياء الله
والزّهاد والصوفيين يكون سعيهم في العبادات وفي
الأعمال الصالحة خير وبركة لهم والله تعالى يحبهم
ويكافئهم على طاعتهم له.
2ـ يجب أن يكون للمصنع أو المعمل نظام وقوانين ومناهج
العمل، بالإضافة إلى مراقبين ومفتشين يراقبون عمل
العاملين والموظفين. وعند الزهاد والصوفيين يكون
المراقبة من قبل مرشديهم وشيوخهم بالاضافة إلى الله
تعالى والملكين (كرام كاتبين)، وأصدقائه المؤمنين
(المؤمن مرآة المؤمن).
3ـ وأن تكون فيها نظام العقوبات والمكافأت والترفيع
لمن يستحق، وكل حسب جهده وعمله. وفي الاسلام كذلك نجد
ذلك فالمؤمن يرتقي درجته بعلمه وتقواه إلى أن يصل إلى
درجة أولياء صالحين ومن الشهداء والصّديقين.
4ـ ولأجل معرفة الربح والنجاح أو الخسارة والفشل في
التجارة أو في المؤسسات، يجب علينا أن نعرف نسبة الربح
السنوي، فعلى الأقل يجب أن تكون نسبة الربح 50%. بعد
إخراج كافة المصروفات، فهذا يعني أن المصنع أو الشركة
تستطيع إدامة نفسها، أما إذا كانت أقل من هذه النسبة
معناها أنها في خسارة ومحكوم عليها بالافلاس أو الفشل.
ومثل ذلك نسبة نجاح الطالب في الامتحانات عليه أن يحصل
على الأقل 50%، فالذي لم يحصل هذه الدرجة يكون جزاءه
هو الرسوب في الدروس. وعند الزهاد والمتصوفين
والصالحين وحتى عند المجتمع الصالح أو القرية الصالح
أهلها مثل ذلك يجب أن تكون نسبة درجة التقوى على الأقل
50%.
لذا يجب على المؤمن أن يراعي شرائع الله تعالى تعالى،
حتى ينال رضاء الله تعالى، وإذا إزدادت عبادته وعمله
وطاعته وخوفه من الله تعالى سوف يكون أكثر نجاحًا
وتقربًا إلى الله تعالى.
ومثل ذلك الدول أو الأمم إذا آمنت بالله تعالى إيمانًا
صحيحًا وطبقت أوامره أكثر من نصف الشعب فيكونوا من
القرية الصالح أهلها ويستحقون كل الخيرات والآمان
والاستقرار، وإذا إزدادت عدد الفاسقين أكثر من النصف
فيكونوا من القرية الظالم أهلها، فيعذبهم الله عذابًا
أكبر. ونحن في عصرنا الحاضر نجد مشكلة كثرة الفاسقين
على المؤمنين في أكثر الدول الإسلامية، والسبب لأن
المنافقين والأعداء نجحوا في إغلاق هذه المدارس لكي
يبتعد الأبناء من تزكية نفوسهم وعقولهم، فتركوهم ليحكم
على أمورهم عقول استعمارية، فأفسدوا عقولهم بالأعلام
والكتب والمجلات التي ينشرونها في الدول الاسلامية،
فبدأ الاستعمار اللئيم يحكم أبناء المسلمين عن طريق
عملاءه فأصبحت أكثر الشعوب مثل حكامهم لا يفكرون إلاّ
عن المأكل والمشرب والملبس والمأوى والجنس فقط.
فأصبحوا كما ذكرهم الله تعالى (كالأنعام بل هم أضلّوا
سبيلاً).
عناصر التّصوف الإسلامي لأجل الوصول إلى المقام
العالي:
لأجل الترقية والتقدم في درجات التصوف أو الزّهد يجب
أن يدخل المريد تحت رعاية شيخه الجليل فيعلمهم ويربيهم
التربية الإسلامية وسلوك الرسول (ص) بالتدريج.
1ـ الحال أو المقام: قد يأتي بالحسن والجمال وهي مؤقتة
أو بالعبادة وهي دائمية.
2ـ المعرفة: وقد يصل إليه العارف بها.
3ـ الفتح أو الفيض: ويكون الفتح الأول هو القلب ثم
يطّور أفاقه.
4ـ الرؤيا: أحد مصادر العلم عندهم.
5ـ الإنسان الكامل.
6ـ ختم الولاية: أي يكون وليًّا وكيلاً لله تعالى.
7ـ الكرامات .
8ـ فناء وبقاء: أي الفناء في الدّنيا والبقاء في
الأخرة.
9ـ جمع وفرق (سُكر وصحو): والجمع معناه العبد يجتمع مع
الله في الأحوال، والفرق : معناه الرّجوع إلى الحالة
الإعتيادية .
10ـ الشّطحية ( الشّطحات ): وقد يكون إلهي أو حالة
إرهاق نفسي.
11ـ العشق : أي العشق الإلهي.
12ـ القلب : أي القلب السّليم (يوم لاينفع مال ولا
بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم) الشّعراء 88 .
وعلى المتصوف أن يختلي بالله مدة طويلة، وبعد الاختلاء
والمجاهدات الرياضية الوجدانية ينكشف له الوجه
الرباني.
مراتب الشّيوخ في التّربية والتعّليم:
1ـ المرشد الكامل: أي بير (البير الأول). 2ـ الشّيخ:
المرشد أو (الخليفة). 3ـ المُريد، الدّرويش: أي
المنتسب إلى الطّريقة. 4ـ الأويسية : نسبة إلى أويس
القرني، أي الذي تربى على شيخ لم يره أو تربى على
تربية أويس القرني.
درجات تربية النّفس في التّصوف :
1ـ النّفس الأمّارة: وتُسمى أيضًا بالنّفس النّاطقة،
تأمر بالسّوء والفحشاء والشّهوات، وهي في مقام
الظّلمات.
2ـ النّفس اللّوامة: تتقلّب وتتلوّن وتَلوم نفسها، وهي
في مقام الأنوار.
3ـ النّفس المُلهمة: تكون مشغولاً بحُبّه لله تعالى
وبأسمائه وبصفاته وفي لسانه لا إله إلاّ الله، وتُطبّق
شريعة الله، وتكون في مقام الأسرار.
4ـ النّفس المُطمئنّة : وهي المُطاعة لأوامر الله
تعالى، ويُحب رسول الله ، وهي طريق الأولياء، ومن
صفاته: السّخاء، الإيثار، التّوكل، التّفويض، الصّبر،
الحُلم، التّسليم، الرّضاء، الصّدق، الرّفق، البشاشة،
الشّكر، الثّناء والعبادة، وتكون في مقام الكمال.
5ـ النّفس الرّاضيّة: وهي تكون في حالة الفناء لله،
وقد رضيَ الله عنه وترجع إلى ربه راضية، ومن صفاته:
الورع الخُلص، المحبّة، الأنس، الحضور، الكرامة،
التّرك (الدّنيا)، النّسيان (لغير الله) وهي تؤمن
بالقدر ولاتشكوا على حاله، وهي في مقام الإلتقاء.
6ـ النّفس المرضيّة: وقد رضي بالله ربًّا، وأينما تكُن
تكون الله معه، وترجع إليه وهو مرضيّ عنه، ومن صفاته:
تُفتح غشاء حواسه فتسمع أُذنيه به أوبحاله، وترى عينه
بحاله، وتتكلّم بلسان حاله، وتمشي بحاله، فيكون الله
في قلبها، وهي في مقام تجلّي الأفعال.
7ـ النّفس الكاملة: وهي تكون المرشد الكامل وصاحب
الكرامات، وقد وصل بعد مرورٍ من علم اليقين وعين
اليقين إلى حقّ اليقين وفي طريقه إلى الكمال، وهي في
مقام تجلّي الصّفات والأسماء.
تمام السّعادة تتم بالسّيطرة على ثلاثة أشياء:
1ـ السيطرة على قوة الغضب. 2ـ السيطرة على قوة الشهوة.
3ـ السيطرة على قوة العلم والإيمان على ضوء ميزان
الإسلام.
لأنّ الإفراط في هذه الأمور معناه الوقوع في الأخطاء
الكثيرة، كما في بقية الأعمال والسلوك.
لذات الدنيا السبع:
ملذات الدنيا يمكن إيجازها بما يلي: المأكل والمشرب ـ
المنكح ـ المسكن والمركب ـ المشوم (الشم) ـ المسموع ـ
المبصر.
فلو قمنا بإحصاء أنعم الله تعالى على الإنسان لا تعد
ولا تحصى: من كسب العلوم والمعارف والأخلاق الحسنة
والإيمان والصحة والعقل السليم والجسم السليم وحب
المال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيول
المسومة والشهرة والمقام والأولاد...
شروط المسلمين من أجل الوصول إلى رضاء الخالق:
1ـ على المسلمين أن يضعوا برامجًا أو مناهجًا صحيحًا
فيتبعونه في حياتهم وفي كافة أعمالهم الدنيوية، وأن
يكون حجتهم ومصدرهم الأساسي القرآن والسنة والمصادر
الموثوقة.
2ـ عليهم بالاجتهاد والسعي بكل ما في وسعه. كما قال
تعالى (لايكلف الله نفسًا إلاّ وسعها لها ما كسبت
وعليها ما اكتسبت).
لأن الوصول إلى السلعة الغالية ألا وهي الجنة، وسلعة
الله ليست رخيصة أو سهلة،
كما قال نبينا محمد (ص) (ألا إن
سلعة
الله
غالية،
ألا إن
سلعة
الله
الجنة).
3ـ عليهم الالتزام بشيخ أو عالم أو مرشد جليل وموثوق
إن أمكن. لأنّ الإنسان يتعلم منهم ما لم يستطع أن يفهم
ويتعلم دقائق العلوم والأمور، فيكتمل نواقصه بقدر ما،
وبعدها يسهل عليهم من قطع طريق التقدم والإبداع
والوصول إلى درجات العلماء العظام والأولياء
والصّالحين. فللأستاذ والمرشد دور مهم في تسهيل وتعليم
الأمور الأساسية للمواضيع الإسلامية بشكل صحيح. وقد
يظهر من بين هؤلاء مرشدون وعلماء منافقون، والعاقل
الفطن يعرفهم ويحذر منهم ويبتعد عنهم.
4ـ التّفاؤل في الخير في كل أمورنا، وعدم اليأس عند
الفشل، والصبر على صعاب الأمور.
أعلام الصّوفيّة كثيرة أذكر المشهورة منها:
1ـ رابعة العدوية. 2ـ سيدة نفيسة. 3ـ الإمام السيوطي.
4ـ ابن عطاء الله. 5ـ
الفضيل بن عياض.
6ـ الشيخ عبد القادر الجيلاني. 7ـ بشر الحافي. 8ـ
الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي. 9ـ الإمام أبي
حامد الغزالي. 10ـ ابن الفارض. 11ـ أبو محمد عبد
الوهاب بن أحمد الشعراني. 12ـ جنيد البغدادي. 13ـ
أحمد البدوي.
14ـ الإمام الرباني. 15ـ عبد الكريم بن هوزان القشيري
"المشهور برسالة القشيري". 16ـ أبو طالب محمد بن علي
المكي. 17ـ
الحسن البصري.
18ـ أحمد بن عجيبة. 19ـ أبو يزيد البسطامي. 20ـ عبد
الكريم الجيلي. 22ـ
داود الطائي.
23ـ الشيخ شاه نقشبند. 24ـ يونس أمره. 25ـ الشيخ معروف
الكرخي. 26ـ عبدالقادر الخطيب. 27ـ إبراهيم بن أدهم.
28ـ إبراهيم الدّسوقي. 29ـ الأمير عبد القادر
الجزائري. 30ـ الشيخ شامل في القفقاس. 31ـ الشيخ عثمان
بيارة في العراق. 32ـ الحارث المحاسبي. 33ـ
ابن سليمان الداراني.
34ـ
جلال الدين الرومي.
35ـ ابن المبارك.
36ـ
وشقيق البلخي. 37ـ سري السقطي.
كتب التّصوّف الإسلامي وعلم الأخلاق:
1ـ مدخل إلى التصوف الإسلامي ـ للدكتور أبو الوفاء
التفتازاني. 2ـ تبليس إبليس ـ لابن الجوزي. 3ـ مدارج
السالكين ـ لابن قيم الجوزية. 4ـ كتاب
اللمع للطوسي.
5ـ مثنوي ـ لجلال الدين الرومي. 6ـ قوت القلوب ـ لأبي
طالب المكي. 7ـ كتب عديدة لحارث المحاسبي. 8ـ مفتاح
القلوب ـ لمحمد نوري أفندي. 9ـ كتب للشيخ عبدالقادر
الجيلاني. 10ـ المتفرقات المأثورة عن الجنيد البغدادي
والشبلي ومالك بن دينار وأبي يزيد البسطامي. 11ـ حقائق
عن التصوف ـ لعبد القادر عيسى. 12ـ تصفية القلوب ـ
للإمام يحيى اليماني الدّمار. 13ـ الصوفية في الهماهم
ـ للمطاوي. 14ـ رسائل المسترشدين ـ لعبد الفتاح أبو
غدة. 15ـ شرح نازل السّائرين ـ لعفيف الدين التلمساني.
16ـ إحياء علوم الدين ـ للإمام الغزالي. 17ـ
تذكرة الألباب لفريد العطار.
18ـ حلية الأولياء ـ للأصبهاني. 19ـ جامع كرامات
الأولياء ـ للإمام يوسف بن إسماعيل النبهاني. 20ـ
منهاج القاصدين ـ للإمام ابن الجوزي. 21ـ مختصر منهاج
القاصدين ـ للإمام أحمد محمد بن قدامة القدسي. 22ـ
فصوص الحكم، الفتوحات المكية ورسائل ـ لابن عربي (يجب
الحذر من أقواله عن وحدة الوجود).
والله ولي التوفيق
نظام الدين إبراهيم أوغلو ـ تركيا
انظر "مقدمة ابن خلدون، ص 473.
معالم الهدى إلى فهم الإسلام لمروان إبراهيم
القيسي، ص 66، 65. حقائق عن التصوف، عبد
القادر عيسى، ص 25، 13.
معالم الهدى إلى فهم الإسلام ص 26، ثقافة
الداعية للقرضاوي، ص 95.
المنقذ في الضلال، للغزالي
ص 66.
كتاب الصوفية، للأستاذ مصطفى قره، ص 44. ومن
مصادر صوفية متفرقة.
المصدر السابق، مروان إبراهيم القيسي، ص 68.
التصوف
الإسلامي ومراحله بقلم
الدكتور جميل حمداوي.
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article9994
المنقذ في الضلال، المصدر السابق، ص 70.
إحياء علوم الدين،
للغزالي، جلد 4 ص 212ـ215.
مشكاة الأنوار، ص 124، 126.
للمزيد من المعلومات أنظر:
http://www.nizamettin.net/tr/arapca_makale-arastirma/islamda_itidallik.htm